کد مطلب:239551
شنبه 1 فروردين 1394
آمار بازدید:157
هی قضیة مصیر
و بأوضح بیان نقول : انه لم یكن امتناع الامام (ع) عن قبول ولایة العهد بالذی یثنی المأمون عما كان قد عقد العزم علیه ؛ لأن الاسباب التی كانت تدعوه لذلك لم تكن تسمح له أبدا بالاصغاء لهذا الرفض ؛ فهی تحتم علیه أن یفعل ذلك، مهما كلفه الأمر، و مهما كانت النتائج . و لم یكن لدیه مانع من تنفیذ تهدیداته، لو علم أنه لا سبیل الی تنفیذ ما یصبوا الیه، و الحصول علی ما یرید الحصول علیه ؛ فالقضیة بالنسبة الیه هو المتعطش الی الحكم و السلطة قضیة مصیر و مستقبل، لا یمكن المساومة معها، و لا مجال لغض النظر و التساهل فیها ..
و اذا كان قد قتل أخاه من أجل الملك و فی سبیله ؛ فأی مانع یمنعه من قتل الرضا (ع) من أجل الملك أیضا، و فی سبیله .. أم یعقل أن یكون الرضا أعز علیه من أخیه، و سائر من قتل من وزرائه هو، و قواده، و أشیاعه ؟!؟ ..
و لسوف لا نستغرب علی المأمون - بعد قتله أخاه - الاقدام علی أی تصرف فی سبیل الملك، حتی الاقدام علی قتل الرضا (ع)، بعد أن كان أبوه الرشید قد أملی علیه درس «الملك عقیم»، و قال له : « والله، لو نازعتنی أنت هذا الأمر ؛ لأخذت الذی فیه عیناك ؛ فان الملك عقیم .. » [1] .
[ صفحه 303]
و لم یكن لیخفی علیه أیضا قول موسی بن عیسی، عندما رأی عبادة الحسین بن علی و أصحابه، فی وقعة فخ : « .. هم والله، اكرم عند الله، و أحق بما فی أیدینا منا، و لكن الملك عقیم . ولو أن صاحب هذا القبر ( یعنی النبی (ص) )، نازعنا الملك ضربنا خیشومه بالسیف .. » [2] و المنصور أیضا قد قرر هذه القاعدة بالذات حینما اعترض علیه سلیمان بن مهران الاعمش علی قتله أولاد علی (ع) [3] .
و هذا الدرس قد أخذه الكل عن عبدالملك بن مروان، فانه عندما قتل مصعب بن الزبیر بكی، و قال : « لقد كان أحب الناس الی، و أشدهم مودة لی، و لكن الملك عقیم ؛ لیس أحد یریده من ولد ولا ولد الا كان السیف » [4] .
بل و حتی نفس أخیه الأمین ، عندما لم یعد له نجاة من برائن أخیه المأمون ، نراه یتذكر هذه القاعدة ، فیقول : «هیهات ، الملك عقیم ، لا رحم له ... » [5] .
و لقد عمل المأمون بهذه القاعدة ؛ فقتل أخاه، و أعطی الذی جاءه برأسه ملیون درهم، بعد أن سجد شكرا لله، و نصب الرأس علی خشیة لیلعنه الناس، الی آخر ما مر تفصیله ..
و اذا كانت القضیة بالنسبة الی المأمون قضیة مصیر و مستقبل و قضیة ملك و سلطان ؛ فطبیعی اذن أن نراه یخاطر بالخلافة ( و ان كنا قدمنا أن ذلك كان منه سیاسة و دهاء من أجل التمهید لفرض ولایة العهد )،
[ صفحه 304]
و أقدم علی التخلی عن ولایة العهد، مع أن العباس ابنه و سائر ولده كانوا أحب الی قلبه، و أجلی فی عینه من كل أحد، علی حد تعبیره فی رسالته للعباسیین..
و لقد قدمنا الشرح الكافی و الوافی لحقیقة الظروف و الأسباب، التی دعت المأمون الی ذلك، و التی هی دون شك كافیة لأن تجعل المأمون یقدم علی أی عمل - ولو كان انتحاریا - من أجل انقاذ نفسه و خلافته، و العباسیین .. حتی ولو كان ذلك الشی ء هو قتل الامام (ع) .. و لقد أخبر الامام كرات، و مرات : أنه لم یقبل الا بعد أن اشرف من المأمون علی الهلاك ..
[1] شرح ميمية أبي فراس ص 73، و البحار ج 48 ص 131، و قاموس الرجال ج 10 ص 370، و عيون أخبار الرضا ج 1 ص 91، و ينابيع المودة ص 383، مع بعض تحريف لها، و غير ذلك.
[2] مقاتل الطالبيين ص 453، و ثمرات الأعواد 200 ،199، و شرح ميمية أبي فراس ص 74.
[3] مناقب الخوارزمي ص 208.
[4] شرح النهج للمعتزلي ج 3 ص 296، و طبقات ابن سعد ج 5 ص 168، و البداية و النهاية ج 8 ص 316.
[5] تتمة المنتهي ص 185.